هذه قاعدة عظيمة في العلم، وهذا الحديث من جوامع الكلم، ومن القواعد العظمى التي عاشها السلف الصالح تطبيقاً واقعياً، فلا تجد في حياتهم ولا علمهم أي حشو بل كله لب وثمرات، وإنما الحشو والغثاء والنخالة فيمن بعدهم، وكلما جاء جيل كان حاله أسوأ مما قبله، والله المستعان.
قال بعض السلف : (هذا الحديث فيه نصف العلم) لأن كل شيء في حياتك لن يخرج عن هذين القسمين: إما أن يعنيك، وإما ألا يعنيك، فلو عرفت حقيقة ما يعنيك وحرصت عليه وتعلمته، وعلمت ما لا يعنيك فتركته لسلم لك العمر كله، فأصبح علمك كله خيراً، ووقتك كله محفوظاً، وثق تماماً أنك إن أضعت شيئاً من وقتك في ما لا يعنيك، فإن ذلك نقص في النصف الذي يعنيك ولا محالة، ومن هنا يأتي كلام ابن مسعود : [[ما ابتدع قوم بدعة إلا أماتوا مثلها من السنة]] لأن هذا العمر والقلب إناء يمتلئ بالخير أو الشر؛ فإن امتلأ بشيء ثم أردت أن تضيف إليه شيئاً آخر فلابد من خروج السابق أو اختلاطه به، فالعاقل يملأ بما يعنيه ويكتفى بذلك، ولو أراد المرء أن يزيد عليه أو يضيف ما لا يعنيه لكان ذلك نقصاً فيما يعنيه، وتعطيلاً لما خلق من أجله، وهذه القاعدة العظيمة ذكرها الشيخ هنا. يقول: "وأنها قريب مما لا يعني {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أو حسن بشواهده.